
بات العمل العسكري الإسرائيلي ضدّ حزب الله في لبنان أمراً واقعاً، وأبعد من التحليل أو الاستنتاج، إذ إن السلوك الإسرائيلي على الأرض، بالتوازي مع مواقف المسؤولين في تل أبيب، وعلى رأسهم رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، يؤكد أن إسرائيل لا تناور في تهديداتها ولا تسعى فقط للضغط أو كسب جولة تفاوض، بل تبدو جادة كما كانت قبل أيلول 2024، حين بادر سلاح الجو في 23 أيلول إلى استهداف مخازن تابعة لحزب الله.
اليوم، يقف لبنان الرسمي أمام اختبار كبير يهدد التركيبة السياسية التي أفرزتها جلسة العاشر من كانون الثاني الرئاسية، والتي أوصلت الرئيس جوزاف عون إلى قصر بعبدا. فرغم التكتم الداخلي، تسرب الدوائر الغربية، وتحديداً في البيت الأبيض، معلومات لعدد من الصحافيين المعتمدين، تفيد بأن الضربة الإسرائيلية المقبلة على لبنان لن تكون بعيدة، وقد تشمل مناطق جديدة إلى جانب الضاحية والجنوب، لتصل إلى الهرمل وبيت جعفر على الحدود البقاعية مع عكار.
وفي الكواليس إشارات توحي بأن أمام لبنان فرصة أخيرة لتجنّب المواجهة، تتمثّل بالدخول في محادثات مباشرة مع إسرائيل من دون أي طروحات بديلة، كتلك التي دعت إلى توسيع الآلية القائمة لتشمل سياسيين أو دبلوماسيين عبر اليونيفيل. هذا الاقتراح، وفق المصادر، لاقى رفضاً أميركياً وإسرائيلياً فورياً، بحجة أن المطلوب هو التسريع في المهمة لا المماطلة، وبالتالي فإن المباحثات غير المباشرة الفعالة يجب أن تكون على غرار تلك التي جرت في شرم الشيخ بين إسرائيل وحماس.
مع ذلك، يبرز تباين أميركي ـ إسرائيلي حول مستقبل الجنوب اللبناني. فإدارة ترامب وفق ما تسرّب من دوائر أميركية، ترغب في تفريغ منطقة جنوب الليطاني وإعادة تصنيفها صناعياً، تمهيداً لإطلاق مشاريع استثمارية كبرى تدعمها دول خليجية كالسعودية وقطر. في المقابل، تصرّ إسرائيل على إبعاد حزب الله عن الدولة اللبنانية عبر خلق واقع ميداني جديد يأتي بعد جولة حرب ثانية، تُفقد الحزب أي قدرة عسكرية تمكّنه من التأثير في الداخل اللبناني.
في هذا السياق، دخلت أوروبا، ولا سيما بريطانيا، على الخط، حيث أكدت وزيرة الخارجية البريطانية إيفيت كوبر أنّ لندن تدعم جهود الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني، وأنّ ضبط الحدود بين لبنان وإسرائيل سيكون تحت إشراف الأمم المتحدة.
في المقابل، واكبت وسائل الإعلام الإسرائيلية التصعيد السياسي، وبثّت أخباراً مكثفة عن اقتراب موعد الحسم وانطلاق جولة ثانية من الحرب مع لبنان، في رسالة واضحة بأنّ الضوء الأخضر الأميركي بات متاحاً، وأنّ نتنياهو يمتلك هامشاً واسعاً من الصلاحيات الميدانية، بما ينسجم مع أجندة ترامب الاقتصادية، ويجعلها قابلة للتنفيذ مع مطلع العام الجديد.
وتضع هذه المعادلة الحكومة اللبنانية أمام خيارٍ صعب: إما التفاوض المباشر مع تل أبيب لإنهاء الحرب، وإما مواجهة واقع ميداني قاس قد يبدّل وجه لبنان السياسي والأمني.



